فصل: مسألة: رفع اليدين في كل تكبيرة في صلاة الجنازة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من خلفها‏]‏ وجملة ذلك أن شعر الميتة يغسل‏,‏ وإن كان معقوصا نقض ثم غسل ثم ضفر ثلاثة قرون‏,‏ قرنيها وناصيتها ويلقى من خلفها وبهذا قال الشافعي‏,‏ وإسحاق وابن المنذر وقال الأوزاعي وأصحاب الرأي‏:‏ لا يضفر ولكن يرسل مع خديها‏,‏ من بين يديها من الجانبين ثم يرسل عليه الخمار لأن ضفره يحتاج إلى تسريحها فينقطع‏,‏ شعرها وينتف ولنا ما روت أم عطية قالت‏:‏ ‏(‏ضفرنا شعرها ثلاثة قرون‏,‏ وألقيناه خلفها يعني بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ متفق عليه ولمسلم‏:‏ فضفرنا شعرها ثلاثة قرون قرنيها وناصيتها وللبخاري‏:‏ جعلن رأس بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاثة قرون نقضنه‏,‏ ثم غسلنه ثم جعلنه ثلاثة قرون وإنما غسلنه بأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعليمه وفي حديث أم سليم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏واضفرن شعرها ثلاثة قرون قصة‏,‏ وقرنين ولا تشبهنها بالرجال‏)‏ فأما التسريح فكرهه أحمد وقال‏:‏ قالت عائشة‏:‏ علام تنصون ميتكم‏؟‏ قال‏:‏ يعنى لا تسرحوا رأسه بالمشط ولأن ذلك يقطع شعره وينتفه وقد روى عن أم عطية‏,‏ قالت‏:‏ مشطناها ثلاثة قرون متفق عليه قال أحمد‏:‏ إنما ضفرن وأنكر المشط فكأنه تأول قولها‏:‏ مشطناها على أنها أرادت ضفرناها لما ذكرناه والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏والمشى بالجنازة الإسراع‏]‏ لا خلاف بين الأئمة رحمهم الله في استحباب الإسراع بالجنازة‏,‏ وبه ورد النص وهو قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه‏,‏ وإن كانت غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم‏)‏ متفق عليه وعن أبى هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا تبع الجنازة قال‏:‏ انبسطوا بها ولا تدبوا دبيب اليهود بجنائزها‏)‏ رواه أحمد‏,‏ في ‏"‏ المسند ‏"‏ واختلفوا في الإسراع المستحب فقال القاضي‏:‏ المستحب إسراع لا يخرج عن المشى المعتاد وهو قول الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ يخب ويرمل لما روى أبو داود عن عيينة بن عبد الرحمن‏,‏ عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏كنا في جنازة عثمان بن أبي العاص فكنا نمشي مشيا خفيفا فلحقنا أبو بكر فرفع سوطه فقال‏:‏ لقد رأيتنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نرمل رملا‏)‏ ولنا‏,‏ ما روى أبو سعيد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أنه مر عليه بجنازة تمخض مخضا فقال عليه السلام‏:‏ عليكم بالقصد في جنائزكم‏)‏ من ‏"‏ المسند ‏"‏ وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏سألنا نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المشي بالجنازة فقال‏:‏ ما دون الخبب‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ يرويه أبو ماجد وهو مجهول وقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏انبسطوا بها ولا تدبوا دبيب اليهود‏)‏ يدل على أن المراد إسراع يخرج به عن شبه مشي اليهود بجنائزهم‏,‏ ولأن الإسراف في الإسراع يمخضها ويؤذى حامليها ومتبعيها ولا يؤمن على الميت وقد قال ابن عباس‏,‏ في جنازة ميمونة‏:‏ لا تزلزلوا وارفقوا فإنها أمكم‏.‏

فصل‏:‏

واتباع الجنائز سنة قال البراء‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باتباع الجنائز‏)‏ وهو على ثلاثة أضرب‏:‏ أحدها‏,‏ أن يصلى عليها ثم ينصرف قال زيد بن ثابت‏:‏ إذا صليت فقد قضيت الذي عليك وقال أبو داود‏:‏ رأيت أحمد ما لا أحصى صلى على جنائز ولم يتبعها إلى القبر‏,‏ ولم يستأذن الثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏من شهد الجنازة حتى يصلى فله قيراط‏,‏ ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان قيل‏:‏ وما القيراطان‏؟‏ قال‏:‏ مثل الجبلين العظيمين‏)‏ متفق عليه الثالث أن يقف بعد الدفن فيستغفر له‏,‏ ويسأل الله له التثبيت ويدعو له بالرحمة فإنه روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان إذا دفن ميتا وقف‏,‏ وقال‏:‏ ‏(‏استغفروا له واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل‏)‏ رواه أبو داود وقد روي عن ابن عمر أنه كان يقرأ عنده بعد الدفن أول البقرة وخاتمتها‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب لمتبع الجنازة أن يكون متخشعا متفكرا في مآله‏,‏ متعظا بالموت وبما يصير إليه الميت ولا يتحدث بأحاديث الدنيا‏,‏ ولا يضحك قال سعد بن معاذ‏:‏ ما تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هو مفعول بها ورأى

بعض السلف رجلا يضحك في جنازة فقال‏:‏ أتضحك وأنت تتبع الجنازة‏؟‏ لا كلمتك أبدا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏"‏والمشى أمامها أفضل ‏"‏ أكثر أهل العلم يرون الفضيلة للماشي أن يكون أمام الجنازة‏,‏ روي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان‏,‏ وابن عمر وأبي هريرة والحسن بن علي وابن الزبير‏,‏ وأبى قتادة وأبى أسيد وعبيد بن عمير‏,‏ وشريح والقاسم بن محمد وسالم‏,‏ والزهري ومالك والشافعي وقال الأوزاعي‏,‏ وأصحاب الرأي‏:‏ المشى خلفها أفضل لما روى ابن مسعود عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏الجنازة متبوعة ولا تتبع‏,‏ ليس منها من تقدمها‏)‏ وقال على ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏(‏فضل الماشى خلف الجنازة على الماشى قدامها كفضل المكتوبة على التطوع سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏)‏ ولأنها متبوعة فيجب أن تقدم كالإمام في الصلاة‏,‏ ولهذا قال في الحديث الصحيح‏:‏ ‏"‏ من تبع جنازة ‏"‏ ولنا ما روى ابن عمر قال‏:‏ رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبا بكر‏,‏ وعمر يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود والترمذي وعن أنس نحوه رواه ابن ماجه وقال ابن المنذر‏:‏ ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبا بكر‏,‏ وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وقال أبو صالح‏:‏ كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشون أمام الجنازة ولأنهم شفعاء له‏,‏ بدليل قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ما من ميت تصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له‏,‏ إلا شفعوا فيه‏)‏ رواه مسلم والشفيع يتقدم المشفوع له وحديث ابن مسعود يرويه أبو ماجد وهو مجهول‏,‏ قيل ليحيى‏:‏ من أبو ماجد هذا‏؟‏ قال‏:‏ طائر طار قال الترمذي‏:‏ سمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث والحديث الآخر لم يذكره أصحاب السنن وقالوا‏:‏ هو ضعيف ثم نحمله على من تقدمها إلى موضع الصلاة أو الدفن ولم يكن معها وقياسهم يبطل بسنة الصبح والظهر فإنها تابعة لهما‏,‏ وتتقدمهما في الوجود‏.‏

فصل‏:‏

ويكره الركوب في اتباع الجنائز قال ثوبان‏:‏ ‏(‏خرجنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال‏:‏ ألا تستحيون‏؟‏ إن ملائكة الله على أقدامهم‏,‏ وأنتم على ظهور الدواب‏)‏ رواه الترمذي فإن ركب في جنازة فالسنة أن يكون خلفها قال الخطابي في الراكب‏:‏ لا أعلمهم اختلفوا في أنه يكون خلفها لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏الراكب يسير خلف الجنازة والماشى يمشي خلفها وأمامها‏,‏ وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها‏)‏ رواه أبو داود وروى الترمذي نحوه ولفظه‏:‏ ‏(‏الراكب خلف الجنازة‏,‏ والماشي حيث شاء منها والطفل يصلى عليه‏)‏ وقال‏:‏ هذا حديث صحيح ولأن سير الراكب أمامها يؤذي المشاة لأنه موضع مشيهم على ما قدمناه فأما الركوب في الرجوع منها فلا بأس به قال جابر بن سمرة‏:‏ ‏(‏إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا‏,‏ ورجع على فرس‏)‏ رواه مسلم قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

فصل‏:‏

ويكره رفع الصوت عند الجنازة لنهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تتبع الجنازة بصوت قال ابن المنذر‏:‏ روينا عن قيس بن عباد أنه قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكرهون رفع الصوت عند ثلاث عند الجنائز وعند الذكر وعند القتال وذكر الحسن‏,‏ عن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم كانوا يستحبون خفض الصوت عند ثلاث فذكر نحوه وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن‏,‏ والنخعي وإمامنا وإسحاق قول القائل خلف الجنازة‏:‏ استغفروا له وقال الأوزاعي بدعة وقال عطاء‏:‏ محدثة وقال سعيد بن المسيب في مرضه‏:‏ إياي وحاديهم‏,‏ هذا الذي يحدو لهم يقول‏:‏ استغفروا له غفر الله لكم وقال فضيل بن عمرو‏:‏ بينا ابن عمر في جنازة‏,‏ إذ سمع قائلا يقول‏:‏ استغفروا له غفر الله لكم فقال ابن عمر‏:‏ لا غفر الله لك رواهما سعيد قال أحمد ولا يقول خلف الجنازة‏:‏ سلم رحمك الله فإنه بدعة ولكن يقول‏:‏ بسم الله وعلى ملة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويذكر الله إذا تناول السرير‏.‏

فصل‏:‏

ومس الجنازة بالأيدي والأكمام والمناديل محدث مكروه‏,‏ ولا يؤمن معه فساد الميت وقد منع العلماء مس القبر فمس الجسد مع خوف الأذى أولى بالمنع‏.‏

فصل‏:‏

ويكره اتباع الميت بنار‏,‏ قال ابن المنذر‏:‏ يكره ذلك كل من يحفظ عنه روى عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل‏,‏ ومعقل بن يسار وأبي سعيد وعائشة‏,‏ وسعيد بن المسيب أنهم وصوا أن لا يتبعوا بنار وروى ابن ماجه أن أبا موسى حين حضره الموت قال‏:‏ ‏(‏لا تتبعوني بمجمر قالوا له‏:‏ أوسمعت فيه شيئا‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏)‏ وروى أبو داود بإسناده عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار‏)‏ فإن دفن ليلا فاحتاجوا إلى ضوء‏,‏ فلا بأس به إنما كره المجامر فيها البخور وفي حديث ‏(‏عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج‏)‏‏.‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

فصل‏:‏

ويكره اتباع النساء الجنائز لما روي عن أم عطية قالت‏:‏ ‏(‏نهينا عن اتباع الجنائز‏,‏ ولم يعزم علينا‏)‏ متفق عليه وكره ذلك ابن مسعود وابن عمر وأبو أمامة‏,‏ وعائشة ومسروق والحسن‏,‏ والنخعي والأوزاعي وإسحاق وروي ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج‏,‏ فإذا نسوة جلوس قال ما يجلسكن‏؟‏ قلن‏:‏ ننتظر الجنازة قال‏:‏ هل تغسلن‏؟‏ قلن‏:‏ لا قال‏:‏ هل تحملن‏؟‏ قلن‏:‏ لا قال‏:‏ هل تدلين في من يدلي‏؟‏ قلن‏:‏ لا قال فارجعن مأزورات غير مأجورات‏)‏ رواه ابن ماجه وروي ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقي فاطمة فقال‏:‏ ما أخرجك يا فاطمة من بيتك‏؟‏ قالت‏:‏ يا رسول الله‏,‏ أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم أو عزيتهم به قال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ فلعلك بلغت معهم الكدى‏؟‏ قالت‏:‏ معاذ الله‏,‏ وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال‏:‏ لو بلغت معهم الكدى فذكر تشديدا‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏

فإن كان مع الجنازة منكر يراه أو يسمعه فإن قدر على إنكاره وإزالته أزاله‏,‏ وإن لم يقدر على إزالته ففيه وجهان‏:‏ أحدهما ينكره ويتبعها‏,‏ فيسقط فرضه بالإنكار ولا يترك حقا لباطل والثاني يرجع‏,‏ لأنه يؤدي إلى استماع محظور ورؤيته مع قدرته على ترك ذلك وأصل هذا في الغسل فإن فيه روايتين‏,‏ فيخرج في اتباعها وجهان‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏(‏والتربيع أن يوضع على الكتف اليمنى إلى الرجل ثم الكتف اليسرى إلى الرجل‏)‏ التربيع هو الأخذ بجوانب السرير الأربع وهو سنة في حمل الجنازة لقول ابن مسعود‏:‏ ‏(‏إذا تبع أحدكم جنازة‏,‏ فليأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة‏)‏ رواه سعيد‏,‏ في ‏"‏ سننه ‏"‏ وهذا يقتضي سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصفة التربيع المسنون أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم يضع القائمة اليسرى من عند الرجل على الكتف اليمنى‏,‏ ثم يعود أيضا إلى القائمة اليمنى من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى ثم ينتقل إلى اليمنى من عند رجليه وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وعن أحمد - رحمه الله- أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة وهو مذهب إسحاق وروى عن ابن مسعود‏,‏ وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب ولأنه أخف ووجه الأول‏,‏ أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالأول فأما الحمل بين العمودين فقال ابن المنذر روينا عن عثمان وسعد بن مالك وابن عمر وأبي هريرة‏,‏ وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير وقال به الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وكرهه النخعي‏,‏ والحسن وأبو حنيفة وإسحاق والصحيح الأول لأن الصحابة‏,‏ رحمة الله عليهم قد فعلوه وفيهم أسوة حسنة وقال مالك ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء ونحوه قال الأوزاعي واتباع الصحابة‏,‏ ـ رضي الله عنهم ـ فيما فعلوه وقالوه أحسن وأولى‏.‏

فصل‏:‏

إذا مرت به جنازة لم يستحب له القيام لها لقول على ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏(‏قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قعد‏)‏ رواه مسلم وقال إسحاق معنى قول على يقول‏:‏ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا رأى جنازة قام‏,‏ ثم ترك ذلك بعد قال أحمد‏:‏ إن قام لم أعبه وإن قعد فلا بأس وذكر ابن أبى موسى والقاضي‏,‏ أن القيام مستحب لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه‏)‏ رواه مسلم وقد ذكرنا‏:‏ أن آخر الأمرين من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترك القيام لها والأخذ بالآخر من أمره أولى‏,‏ فقد روى في حديث ‏(‏أن يهوديا رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قام للجنازة فقال‏:‏ يا محمد‏:‏ هكذا نصنع فترك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القيام لها‏)‏‏.‏

فصل‏:‏ استحباب عدم الجلوس لمتبع الجنازة حتى توضع

ومن يتبع الجنازة استحب له أن لا يجلس حتى توضع ممن رأى أن لا يجلس حتى توضع عن أعناق الرجال الحسن بن على وابن عمر‏,‏ وأبو هريرة وابن الزبير والنخعي‏,‏ والشعبي والأوزاعي وإسحاق ووجه ذلك ما روى مسلم بإسناده عن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع‏)‏ ورأى الشافعي أن هذا منسوخ بحديث على ولا يصح لأن قول على يحتمل ما ذكره إسحاق والسبب الذي ذكرناه فيه‏,‏ وليس في اللفظ عموم فيعم الأمرين جميعا فلم يجز النسخ بأمر محتمل‏,‏ ولأن قول على‏:‏ قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قعد يدل على ابتداء فعل القيام وها هنا إنما وجدت منه الاستدامة إذا ثبت هذا‏,‏ فأظهر الروايتين عن أحمد أنه أريد بالوضع وضعها عن أعناق الرجال وهو قول من ذكرنا من قبل وقد روى الثوري الحديث‏:‏ ‏(‏إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع بالأرض‏)‏ ورواه أبو معاوية ‏(‏حتى توضع في اللحد‏)‏ وحديث سفيان أصح فأما من تقدم الجنازة فلا بأس أن يجلس قبل أن تنتهى إليه قال الترمذي روى عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم كانوا يتقدمون الجنازة فيجلسون قبل أن تنتهى إليهم‏,‏ فإذا جاءت الجنازة لم يقوموا لها لما تقدم‏.‏

مسألة‏:‏ تقديم الأمير على الأقارب في الصلاة على الميت

قال‏:‏ ‏"‏ثم الأمير‏"‏ أكثر أهل العلم يرون تقديم الأمير على الأقارب في الصلاة على الميت وقال الشافعي في أحد قوليه‏:‏ يقدم الولى قياسا على تقديمه في النكاح بجامع اعتبار ترتيب العصبات‏,‏ وهو خلاف قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏لا يؤم الرجل في سلطانه‏)‏ وحكى أبو حازم قال‏:‏ شهدت حسينا حين مات الحسن وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص ويقول‏:‏ تقدم‏,‏ لولا السنة ما قدمتك وسعيد أمير المدينة وهذا يقتضي سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وروى الإمام أحمد بإسناده عن عمار مولى بنى هاشم قال‏:‏ شهدت جنازة أم كلثوم بنت على وزيد بن عمر فصلى عليها سعيد بن العاص وكان أمير المدينة وخلفه يومئذ ثمانون من أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيهم ابن عمر والحسن والحسين وسمى في موضع آخر زيد بن ثابت‏,‏ وأبا هريرة وقال على ـ رضي الله عنه ـ الإمام أحق من صلى على الجنازة وعن ابن مسعود نحو ذلك وهذا اشتهر فلم ينكر فكان إجماعا ولأنها صلاة شرعت فيها الجماعة‏,‏ فكان الإمام أحق بالإمامة فيها كسائر الصلوات وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلى على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء بعده ولم ينقل إلينا أنهم استأذنوا أولياء الميت في التقدم عليها‏.‏

فصل‏:‏

الإمامة للأمير فإن لم يكن فللأمير من قبله فإن لم يكن فللنائب من قبله في الإمامة‏.‏

والأمير ها هنا الإمام‏,‏ فإن لم يكن فالأمير من قبله فإن لم يكن فالنائب من قبله في الإمامة فإن الحسين قدم سعيد بن العاص‏,‏ وإنما كان أميرا من قبل معاوية فإن لم يكن فالحاكم

مسألة‏:‏

أولى الناس بعد الأمير بالأمامة الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة

قال‏:‏ ‏[‏ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة‏]‏ الصحيح في المذهب ما ذكره الخرقي في أن أولى الناس بعد الأمير الأب‏,‏ ثم الجد أبو الأب وإن علا ثم الابن ثم ابنه وإن نزل‏,‏ ثم الأخ الذي هو عصبة ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من العصبات‏,‏ وقال أبو بكر‏:‏ إذا اجتمع جد وأخ ففيه قولان وحكي عن مالك أن الابن أحق من الأب لأنه أقوى تعصيبا منه بدليل الإرث‏,‏ والأخ أولى من الجد لأنه يدلى بالبنوة والجد يدلى بالأبوة ولنا أنهما استويا في الإدلاء لأن كل واحد منهما يدلي بنفسه والأب أرأف وأشفق‏,‏ ودعاؤه لأبنه أقرب إلى الإجابة فكان أولى كالقريب مع البعيد‏,‏ إذ كان المقصود الدعاء للميت والشفاعة له بخلاف الميراث

فصل‏:‏

وإن اجتمع زوج المرأة وعصبتها فظاهر كلام الخرقي تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن أحمد‏,‏ وقول سعيد بن المسيب والزهري وبكير بن الأشج ومذهب أبي حنيفة‏,‏ ومالك والشافعي إلا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على ابنها منه وروي عن أحمد تقديم الزوج على العصبات لأن أبا بكرة صلى على امرأته ولم يستأذن إخوتها وروى ذلك عن ابن عباس‏,‏ والشعبي وعطاء وعمر بن عبد العزيز‏,‏ وإسحاق ولأنه أحق بالغسل فكان أحق بالصلاة‏,‏ كمحل الوفاق ولنا أنه يروى عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال لأهل امرأته‏:‏ أنتم أحق بها ولأن الزوج قد زالت زوجيته بالموت فصار أجنبيا والقرابة لم تزل‏,‏ فعلى هذه الرواية إن لم يكن لها عصبات فالزوج أولى لأن له سببا وشفقة‏,‏ فكان أولى من الأجنبي

فصل‏:‏

فإن اجتمع أخ من الأبوين وأخ من أب ففي تقديم الأخ من الأبوين أو التسوية‏,‏ وجهان أخذا من الروايتين في ولاية النكاح والحكم في أولادهما‏,‏ وفي الأعمام وأولادهم كالحكم فيهما سواء فإن انقرض العصبة من النسب فالمولى المنعم ثم أقرب عصباته‏,‏ ثم الرجل من ذوي أرحامه الأقرب فالأقرب ثم الأجانب

فصل‏:‏

فإن استوى وليان في درجة واحدة فأولاهما أحقهما بالإمامة في المكتوبات لعموم قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ قال القاضي‏:‏ ويحتمل أن يقدم له الأسن لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء‏,‏ وأعظم عند الله قدرا وهذا ظاهر مذهب الشافعي والأول أولى وفضيلة السن معارضة بفضيلة العلم وقد رجحها الشارع في سائر الصلوات‏,‏ مع أنه يقصد فيها إجابة الدعاء والحظ للمأمومين وقد روى عنه عليه السلام أنه قال‏:‏ ‏(‏أئمتكم شفعاؤكم‏)‏ ولا نسلم أن الأسن الجاهل أعظم قدرا من العالم ولا أقرب إجابة فإن استووا وتشاحوا‏,‏ أقرع بينهم كما في سائر الصلوات

فصل‏:‏

ومن قدمه الولي فهو بمنزلته لأنها ولاية تثبت له فكانت له الاستنابة فيها‏,‏ ويقدم نائبه فيها على غيره كولاية النكاح‏.‏

فصل‏:‏

والحر البعيد أولى من العبد القريب لأن العبد لا ولاية له ولهذا لا يلي في النكاح ولا المال فإن اجتمع صبي ومملوك ونساء فالمملوك أولى لأنه تصح إمامته بهما فإن لم يكن إلا نساء وصبيان‏,‏ فقياس المذهب أنه لا يصح أن يؤم أحد الجنسين الآخر ويصلي كل نوع لأنفسهم وإمامهم منهم ويصلى النساء جماعة إمامتهن في وسطهن نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي‏:‏ يصلين مفردات‏,‏ لا يسبق بعضهن بعضًا وإن صلين جماعة جاز ولنا أنهن من أهل الجماعة‏,‏ فيصلين جماعة كالرجال وما ذكروه من كونهن منفردات لا يسبق بعضهن بعضا‏,‏ تحكم لا يصار إليه إلا بنص أو إجماع وقد صلى أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سعد بن أبى وقاص رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏

فإن اجتمع جنائز فتشاح أولياؤهم في من يتقدم للصلاة عليهم‏,‏ قدم أولاهم بالإمامة في الفرائض وقال القاضي‏:‏ يقدم السابق يعني من سبق ميته ولنا أنهم تساووا فأشبهوا الأولياء إذا تساووا في الدرجة‏,‏ مع قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ وإن أراد ولى كل ميت إفراد ميته بصلاة جاز‏.‏

مسألة‏:‏

قال والصلاة عليه يكبر ويقرأ الحمد وجملة ذلك أن سنة التكبير على الجنازة أربع‏,‏ ولا تسن الزيادة عليها ولا يجوز النقص منها فيكبر الأولى‏,‏ ثم يستعيذ ويقرأ الحمد ويبدؤها ببسم الله الرحمن الرحيم‏,‏ ولا يسن الاستفتاح قال أبو داود سمعت أحمد يسأل عن الرجل يستفتح الصلاة على الجنازة بسبحانك اللهم وبحمدك‏؟‏ قال‏:‏ ما سمعت قال ابن المنذر كان الثوري يستحب أن يستفتح في صلاة الجنازة ولم نجده في كتب سائر أهل العلم وقد روي عن أحمد مثل قول الثوري لأن الاستعاذة فيها مشروعة فسن فيها الاستفتاح‏,‏ كسائر الصلوات ولنا أن صلاة الجنازة شرع فيها التخفيف ولهذا لا يقرأ فيها بعد الفاتحة بشيء‏,‏ وليس فيها ركوع ولا سجود والتعوذ سنة للقراءة مطلقا في الصلاة وغيرها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}‏ [النحل: 98]. إذا ثبت هذا فإن قراءة الفاتحة واجبة في صلاة الجنازة وبهذا قال الشافعي‏,‏ وإسحاق وروى ذلك عن ابن عباس وقال الثوري والأوزاعي ومالك‏,‏ وأبو حنيفة‏:‏ لا يقرأ فيها بشيء من القرآن لأن ابن مسعود قال‏:‏ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يوقت فيها قولا ولا قراءة ولأن ما لا ركوع فيه لا قراءة فيه كسجود التلاوة ولنا أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب فقال‏:‏ إنه من السنة أو‏:‏ من تمام السنة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى ابن ماجه بإسناده عن أم شريك قالت ‏(‏أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب‏)‏ وروى الشافعي‏,‏ في ‏"‏مسنده‏"‏ بإسناده عن جابر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كبر على الجنازة أربعا وقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ثم هو داخل في عموم قوله عليه السلام ‏(‏لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن‏)‏ ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة‏,‏ كسائر الصلوات وإن صح ما رووه عن ابن مسعود فإنما قال‏:‏ لم يوقت أي لم يقدر ولا يدل هذا على نفي أصل القراءة وقد روى ابن المنذر عنه أنه قرأ على جنازة بفاتحة الكتاب ثم لا يعارض ما رويناه لأنه نفي يقدم عليه الإثبات‏,‏ ويفارق سجود التلاوة فإنه لا قيام فيه والقراءة إنما محلها القيام

فصل‏:‏

ويسر القراءة والدعاء في صلاة الجنازة لا نعلم بين أهل العلم فيه خلافا ولا يقرأ بعد أم القرآن شيئا وقد روى عن ابن عباس أنه جهر بفاتحة الكتاب قال أحمد‏:‏ إنما جهر ليعلمهم‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ويكبر الثانية‏,‏ ويصلي على النبي كما يصلي عليه في التشهد‏]‏ هكذا وصف أحمد الصلاة على الميت كما ذكر الخرقي وهو مذهب الشافعي وروي عن ابن عباس أنه صلى على جنازة بمكة فكبر ثم قرأ وجهر وصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم دعا لصاحبها فأحسن‏,‏ ثم انصرف وقال‏:‏ هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة وروى الشافعي في مسنده عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى‏,‏ يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه وصفة الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كصفة الصلاة عليه في التشهد لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سألوه‏:‏ كيف نصلي عليك‏؟‏ علمهم ذلك وإن أتى بها على غير ما ذكر في التشهد‏,‏ فلا بأس لأن القصد مطلق الصلاة قال القاضي يقول‏:‏ اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين وأهل طاعتك أجمعين‏,‏ من أهل السموات وأهل الأرضين إنك على كل شيء قدير لأن أحمد قال في رواية عبد الله يصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويصلي على الملائكة المقربين‏.‏

مسألة‏:‏ بعد التكبيرة الثالثة يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين ويدعو للميت

قال‏:‏ ‏[‏ويكبر الثالثة‏,‏ ويدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين ويدعو للميت‏]‏ وإن أحب أن يقول‏:‏ اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا‏,‏ وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا إنك على كل شيء قدير‏,‏ اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم إنه عبدك وابن أمتك‏,‏ نزل بك وأنت خير منزول به ولا نعلم إلا خيرا اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه‏,‏ وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده والواجب أدنى دعاء لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء‏)‏ رواه أبو داود وهذا يحصل بأدنى دعاء‏,‏ ولأن المقصود الشفاعة للميت والدعاء فيجب أقل ذلك ويستحب أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين قال أحمد وليس على الميت دعاء مؤقت والذي ذكره الخرقي حسن يجمع ذلك‏,‏ وقد روي أكثره في الحديث فمن ذلك ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صلى على الجنازة‏,‏ قال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا‏,‏ وذكرنا وأنثانا‏)‏ قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل حديث أبي إبراهيم وزاد‏:‏ ‏"‏ اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام‏,‏ اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده وفي حديث آخر عن أبى هريرة‏,‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام‏,‏ وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء‏,‏ فاغفر له‏)‏ رواه أبو داود وروى مسلم بإسناده عن عوف بن مالك قال‏:‏ ‏(‏صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول‏:‏ اللهم اغفر له وارحمه‏,‏ وعافه واعف عنه وأكرم نزله وأوسع مدخله‏,‏ واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس‏,‏ وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت‏)‏‏.‏

فصل‏:‏

زاد أبو الخطاب على ما ذكره الخرقي‏:‏ اللهم جئناك شفعاء له‏,‏ فشفعنا فيه وقه فتنة القبر وعذاب النار‏,‏ وأكرم مثواه وأبدله دارا خيرا من داره وجوارا خيرا من جواره‏,‏ وافعل بنا ذلك وبجميع المسلمين وزاد ابن أبى موسى‏:‏ الحمد لله الذي أمات وأحيا الحمد لله الذي يحيى الموتى له العظمة والكبرياء‏,‏ والملك والقدرة والثناء وهو على كل شيء قدير اللهم إنه عبدك ابن عبدك‏,‏ ابن أمتك أنت خلقته ورزقته وأنت أمته وأنت تحييه‏,‏ وأنت تعلم سره جئناك شفعاء له فشفعنا فيه اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة‏,‏ اللهم وقه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم إن كان محسنا فجازه بإحسانه‏,‏ وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم قد نزل بك وأنت خير منزول به فقيرا إلى رحمتك‏,‏ وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره اللهم لا تحرمنا أجره‏,‏ ولا تفتنا بعده‏.‏

فصل‏:‏

وقوله‏:‏ لا نعلم إلا خيرا إنما يقوله لمن لم يعلم منه شرا لئلا يكون كاذبا وقد روى القاضي حديثا عن عبد الله بن الحارث عن أبيه ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علمهم الصلاة على الميت‏:‏ اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا‏,‏ وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا اللهم إن عبدك وابن عبدك نزل بفنائك فاغفر له وارحمه‏,‏ ولا نعلم إلا خيرا فقلت وأنا أصغر الجماعة‏:‏ يا رسول الله وإن لم أعلم خيرا‏؟‏ قال لا تقل إلا ما تعلم‏)‏ وإنما شرع هذا للخبر‏,‏ ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أثنى عنده على جنازة بخير فقال‏:‏ ‏"‏وجبت‏"‏ وأثنى على أخرى بشر فقال‏:‏ ‏"‏وجبت‏"‏ ثم قال ‏(‏إن بعضكم على بعض شهيد‏)‏ رواه أبو داود متفق عليه وفي حديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ما من عبد مسلم يموت‏,‏ يشهد له اثنان من جيرانه الأدنين بخير إلا قال الله تعالى‏:‏ قد قبلت شهادة عبادي على ما علموا وغفرت ما أعلم‏)‏ رواه الإمام أحمد‏,‏ في ‏"‏ المسند ‏"‏ وفي لفظ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏ما من مسلم يموت فيقوم رجلان من جيرانه الأدنين‏,‏ فيقولان‏:‏ اللهم لا نعلم إلا خيرا إلا قال الله تعالى‏:‏ قد قبلت شهادتهما لعبدي وغفرت له ما لا يعلمان‏)‏ أخرجه اللالكائى‏.‏

فصل‏:‏

وإن كان الميت طفلا‏,‏ جعل مكان الاستغفار له‏:‏ اللهم اجعله فرطا لوالديه وذخرا وسلفا وأجرا اللهم ثقل به موازينهما‏,‏ وأعظم به أجورهما اللهم اجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالح سلف المؤمنين وأجره برحمتك من عذاب الجحيم‏,‏ وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقنا بالإيمان ونحو ذلك وبأي شيء دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأه وليس فيه شيء موقت

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ويكبر الرابعة‏,‏ ويقف قليلا ظاهر كلام الخرقي أنه لا يدعو بعد الرابعة شيئا ونقله عن أحمد جماعة من أصحابه وقال‏:‏ لا أعلم فيه شيئا لأنه لو كان فيه دعاء مشروع لنقل وروي عن أحمد أنه يدعو ثم يسلم لأنه قيام في صلاة‏,‏ فكان فيه ذكر مشروع كالذي قبل التكبيرة الرابعة قال ابن أبي موسى وأبو الخطاب يقول‏:‏ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وقيل يقول‏:‏ اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وهذا الخلاف في استحبابه‏,‏ ولا خلاف في المذهب أنه غير واجب وأن الوقوف بعد التكبير قليلا مشروع وقد روى الجوزجاني بإسناده عن زيد بن أرقم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكبر أربعا ثم يقول ما شاء الله‏,‏ ثم ينصرف قال الجوزجاني وكنت أحسب أن هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف فإن الإمام إذا كبر ثم سلم خفت أن يكون تسليمه قبل أن يكبر آخر الصفوف‏,‏ فإن كان هكذا فالله عز وجل الموفق له وإن كان غير ذلك فإني أبرأ إلى الله ـ عز وجل ـ من أن أتأول على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرا لم يرده أو أراد خلافه‏.‏

مسألة‏:‏

قال ‏[‏ويرفع يديه في كل تكبيرة‏]‏ أجمع أهل العلم على أن المصلى على الجنائز يرفع يديه في أول تكبيرة يكبرها‏,‏ وكان ابن عمر يرفع يديه في كل تكبيرة وبه قال سالم وعمر بن عبد العزيز وعطاء‏,‏ وقيس بن أبي حازم والزهري وإسحاق وابن المنذر والأوزاعي‏,‏ والشافعي وقال مالك والثوري وأبو حنيفة‏:‏ لا يرفع يديه إلا في الأولى لأن كل تكبيرة مقام ركعة ولا ترفع الأيدي في جميع الركعات ولنا‏,‏ ما روى عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرفع يديه في كل تكبيرة‏)‏ رواه ابن أبي موسى وعن ابن عمر وأنس أنهما كانا يفعلان ذلك ولأنها تكبيرة حال الاستقرار أشبهت الأولى وما ذكروه غير مسلم‏,‏ فإذا رفع يديه فإنه يحطهما عند انقضاء التكبير ويضع اليمنى على اليسرى كما في بقية الصلوات وفيما روى ابن أبي موسى ‏(‏أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى على جنازة‏,‏ فوضع يمينه على شماله‏)‏‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ويسلم تسليمة واحدة عن يمينه السنة أن يسلم على الجنازة تسليمة واحدة قال - رحمه الله - ‏:‏ التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم وروى تسليمة واحدة عن على وابن عمر‏,‏ وابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس بن مالك‏,‏ وابن أبي أوفي وواثلة بن الأسقع وبه قال سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين‏,‏ وأبو أمامة بن سهل والقاسم بن محمد والحارث‏,‏ وإبراهيم النخعي والثوري وابن عيينة‏,‏ وابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق وقال ابن المبارك‏:‏ من سلم على الجنازة تسليمتين فهو جاهل جاهل واختار القاضي أن المستحب تسليمتان‏,‏ وتسليمة واحدة تجزي وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي قياسا على سائر الصلوات ولنا ما روى عطاء بن السائب ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سلم على الجنازة تسليمة واحدة‏)‏ رواه الجوزجاني بإسناده‏,‏ وأنه قول من سمينا من الصحابة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا قال أحمد‏:‏ ليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم قال الجوزجاني هذا عندنا لا اختلاف فيه لأن الاختلاف إنما يكون بين الأقران والأشكال‏,‏ أما إذا أجمع الناس واتفقت الرواية عن الصحابة والتابعين فشذ عنهم رجل لم يقل لهذا اختلاف واختيار القاضي في هذه المسألة مخالف لقول إمامه وأصحابه وإجماع الصحابة والتابعين ـ رضي الله عنه ـم إذا ثبت هذا فإن المستحب أن يسلم تسليمة واحدة عن يمينه‏,‏ وإن سلم تلقاء وجهه فلا بأس قال أحمد‏:‏ يسلم تسليمة واحدة وسئل يسلم تلقاء وجهه‏؟‏ قال‏:‏ كل هذا وأكثر ما روى فيه عن يمينه قيل‏:‏ خفية‏؟‏ قال‏:‏ نعم يعنى أن الكل جائز والتسليم عن يمينه أولى‏,‏ لأنه أكثر ما روى وهو أشبه بالتسليم في سائر الصلوات قال أحمد يقول‏:‏ السلام عليكم ورحمة الله وروى عنه على بن سعيد أنه قال‏:‏ إذا قال السلام عليكم أجزأه وروى الخلال بإسناده عن على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى على يزيد بن المكفف فسلم واحدة عن يمينه‏:‏ السلام عليكم‏.‏

فصل‏:‏

وروى عن مجاهد أنه قال‏:‏ إذا صليت فلا تبرح مصلاك حتى ترفع قال ورأيت عبد الله بن عمر لا يبرح مصلاه إذا صلى على جنازة حتى يراها على أيدي الرجال قال الأوزاعي لا تنقض الصفوف حتى ترفع الجنازة‏.‏

فصل‏:‏

والواجب في صلاة الجنازة النية والتكبيرات‏,‏ والقيام وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأدنى دعاء للميت‏,‏ وتسليمة واحدة ويشترط لها شرائط المكتوبة إلا الوقت وتسقط بعض واجباتها عن المسبوق على ما سنبين‏,‏ ولا يجوز أن يصلى على الجنائز وهو راكب لأنه يفوت القيام الواجب وهذا قول أبي حنيفة والشافعي‏,‏ وأبي ثور ولا أعلم فيه خلافا‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب أن يصف في الصلاة على الجنائز ثلاثة صفوف لما روي عن مالك بن هبيرة - حمصي وكانت له صحبة - قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب‏)‏ قال فكان مالك بن هبيرة إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة أجزاء رواه الخلال بإسناده وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن قال أحمد‏:‏ أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف قالوا‏:‏ فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم‏؟‏ قال‏:‏ يجعلهم صفين‏,‏ في كل صف رجلين وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون في صف رجل واحد وذكر ابن عقيل أن عطاء بن أبي رباح روى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى على جنازة‏,‏ فكانوا سبعة فجعل الصف الأول ثلاثة والثاني اثنين‏,‏ والثالث واحدا قال ابن عقيل ويعايا بها فيقال‏:‏ أين تجدون فذا انفراده أفضل‏؟‏ ولا أحسب هذا الحديث صحيحا فإني لم أره في غير كتاب ابن عقيل‏,‏ وأحمد قد صار إلى خلافه وكره أن يكون الواحد صفا ولو علم أحمد في هذا حديثا لم يعده إلى غيره والصحيح في هذا أن يجعل كل اثنين صفا‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب تسوية الصف في الصلاة على الجنازة نص عليه أحمد وقيل لعطاء‏:‏ أخذ على الناس أن يصفوا على الجنازة كما يصفون في الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ قوم يدعون ويستغفرون ولم يعجب أحمد قول عطاء هذا وقال يسوون صفوفهم فإنها صلاة ولأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه‏,‏ وخرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعا متفق عليه وروى عن أبي المليح أنه صلى على جنازة‏,‏ فالتفت فقال استووا لتحسن شفاعتكم‏.‏

فصل‏:‏

ولا بأس بالصلاة على الميت في المسجد إذا لم يخف تلويثه وبهذا قال الشافعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وداود وكره ذلك مالك وأبو حنيفة لأنه روي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له‏)‏ من المسند ولنا ما روى مسلم وغيره عن عائشة ـ رضي الله عنه ـا قالت‏:‏ ما صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سهيل ابن بيضاء إلا في المسجد وقال سعيد‏:‏ حدثنا مالك عن سالم أبي النضر قال‏:‏ لما مات سعد بن أبي وقاص قالت عائشة‏:‏ ـ رضي الله عنه ـا مروا به على حتى أدعو له فأنكر الناس ذلك‏,‏ فقالت‏:‏ ما أسرع ما نسي الناس ما صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على سهيل ابن بيضاء إلا في المسجد وقال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ صلى على أبي بكر في المسجد وقال‏:‏ حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ صلى على عمر في المسجد وهذا كان بمحضر من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فلم ينكر‏,‏ فكان إجماعا ولأنها صلاة فلم يمنع منها في المسجد كسائر الصلوات وحديثهم يرويه صالح مولى التوأمة قال ابن عبد البر‏:‏ من أهل العلم من لا يقبل من حديثه شيئا لضعفه‏,‏ لأنه اختلط ومنهم من يقبل منه ما رواه عن ابن أبي ذئب خاصة ثم يحمل على من خيف عليه الانفجار‏,‏ وتلويث المسجد‏.‏

فصل‏:‏

فأما الصلاة على الجنازة في المقبرة فعن أحمد فيها روايتان إحداهما‏:‏ لا بأس بها لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى على قبر وهو في المقبرة قال ابن المنذر ذكر نافع أنه صلى على عائشة وأم سلمة وسط قبور البقيع صلى على عائشة أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر وفعل ذلك عمر بن عبد العزيز والرواية الثانية‏:‏ يكره ذلك وروى ذلك عن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص‏,‏ وابن عباس وبه قال عطاء والنخعي والشافعي‏,‏ وإسحاق وابن المنذر لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏والأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام‏)‏ ولأنه ليس بموضع للصلاة غير صلاة الجنازة فكرهت فيه صلاة الجنازة كالحمام‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ومن فاته شيء من التكبير قضاه متتابعا فإن سلم مع الإمام ولم يقض‏,‏ فلا بأس وجملة ذلك أن المسبوق بتكبير الصلاة في الجنازة يسن له قضاء ما فاته منها وممن قال‏:‏ يقضي ما فاته سعيد بن المسيب وعطاء والنخعي‏,‏ والزهري وابن سيرين وقتادة‏,‏ ومالك والثوري والشافعي‏,‏ وإسحاق وأصحاب الرأي فإن سلم قبل القضاء فلا بأس هذا قول ابن عمر والحسن‏,‏ وأيوب السختياني والأوزاعي قالوا‏:‏ لا يقضي ما فات من تكبيرة الجنازة قال أحمد‏:‏ إذا لم يقض لم يبال العمري عن نافع عن ابن عمر أنه لا يقضي وإن كبر متتابعا فلا بأس كذلك قال إبراهيم وقال أيضا يبادر بالتكبير قبل أن يرفع وقال أبو الخطاب إن سلم قبل أن يقضيه فهل تصح صلاته‏؟‏ على روايتين إحداهما‏:‏ لا تصح وهو مذهب أبي حنيفة ومالك‏,‏ والشافعي لقوله عليه السلام ‏(‏ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏"‏ فاقضوا ‏"‏ وقياسا على سائر الصلوات ولنا قول ابن عمر ولم يعرف له في الصحابة مخالف‏,‏ وقد روي عن عائشة أنها قالت‏:‏ يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفي على بعض التكبير‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ما سمعت فكبري‏,‏ وما فاتك فلا قضاء عليك‏)‏ وهذا صريح ولأنها تكبيرات متواليات حال القيام فلم يجب قضاء ما فاته منها كتكبيرات العيد‏,‏ وحديثهم ورد في الصلوات الخمس بدليل قوله في صدر الحديث‏:‏ ‏(‏ولا تأتوها وأنتم تسعون‏)‏ وروي أنه سعى في جنازة سعد حتى سقط رداؤه عن منكبيه فعلم‏,‏ أنه لم يرد بالحديث هذه الصلاة ثم الحديث الذي رويناه أخص منه فيجب تقديمه والقياس على سائر الصلوات لا يصح لأنه لا يقضى في شيء من الصلوات التكبير المنفرد‏,‏ ثم يبطل بتكبيرات العيد إذا ثبت هذا فإنه متى قضى أتى بالتكبير متواليا لا ذكر معه كذلك قال أحمد وحكاه عن إبراهيم قال‏:‏ يبادر بالتكبير متتابعا وإن لم يرفع قضى ما فاته‏,‏ وإذا أدرك الإمام في الدعاء على الميت تابعه فيه فإذا سلم الإمام كبر وقرأ الفاتحة‏,‏ ثم كبر وصلى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكبر وسلم وقال الشافعي‏:‏ متى دخل المسبوق في الصلاة ابتدأ الفاتحة ثم أتى بالصلاة في الثانية ووجه الأول أن المسبوق في سائر الصلوات يقرأ فيما يقضيه الفاتحة وسورة على صفة ما فاته فينبغي أن يأتي ها هنا بالقراءة على صفة ما فاته والله أعلم